بينما يوضح حيدر الشكري أن الحروب تهيمن على العناوين في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، يواجه العراقيون أزمة صامتة لا تقل زعزعة للاستقرار؛ إذ يجفف تغيّر المناخ الأنهار، ويخفض الجيران في المنبع تدفقات المياه، ويتقاعس قادة بلاد الرافدين عن إدارة المورد الأهم. هذه الندرة المائية لا تشكل أزمة وطنية فحسب، بل تغذي أيضًا التوترات الداخلية، وتدفع للنزوح، وتعمّق الفقر الريفي، وتؤجج أزمات الصحة العامة، وتثير الاضطرابات في مجتمعات هشة أصلًا.

تشير تشاتام هاوس إلى أن العراق يشهد أدنى احتياطي مائي منذ أكثر من عقدين، نتيجة تراجع الأمطار وتزايد الاعتماد على مياه الأنهار القادمة من تركيا وإيران، في ظل غياب استراتيجية فعالة لإدارة الموارد المائية ومواجهة آثار التغير المناخي. ويعتمد العراق على نهري دجلة والفرات كمصدرين رئيسيين للمياه، لكن بناء السدود الكبيرة في دول المنبع قلّص بشكل حاد التدفقات، مما جعل البلاد عرضة للجفاف.

تؤكد التقارير أن قرى بأكملها هجرت أراضيها الزراعية، بعد أن جفت قنوات الري، وانخفض منسوب المياه في الخزانات إلى مستويات غير مسبوقة. هذا النقص المائي لا يهدد الأمن الغذائي فحسب، بل يعمّق أيضًا الانقسامات الاجتماعية، حيث يتنافس المزارعون على مصادر المياه المحدودة، وتتصاعد النزاعات المحلية.

يحذر الخبراء من أن استمرار تراجع المياه قد يدفع العراق إلى الاعتماد شبه الكامل على استيراد الغذاء، ما يضعه تحت رحمة تقلبات الأسواق العالمية. كما أن سوء إدارة الموارد الداخلية، والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، يزيدان من تعقيد الأزمة.

تطالب المنظمات الدولية بغداد بوضع خطة وطنية عاجلة لإدارة المياه، تشمل تحديث البنية التحتية للري، وتبني تقنيات الزراعة الحديثة، والتفاوض بجدية مع دول الجوار لضمان حصص عادلة من المياه. ويرى محللون أن فشل الحكومة في التحرك السريع قد يحوّل أزمة المياه إلى تهديد وجودي يمس بقاء الدولة العراقية واستقرارها على المدى الطويل.

 

https://www.chathamhouse.org/2025/08/iraqs-water-crisis-dammed-neighbours-failed-leaders